الخميس، 13 يونيو 2013

الإعجاز التربوي في آية

إن من صور الصحوة الإسلامية في الآونة الأخيرة: العودة إلى كتاب ربنا - القرآن الكريم - ومحاولة استخراج ما فيه من صُوَر الإعجاز المختلفة، لعلها تكون لنا نبراسًا نهتدي به في سبيل نهضتنا، والاستعانة بها في الدعوة الإسلامية لهداية البشرية، والأخذ بيدها لبر السلام.وتتعدد صُوَر الإعجاز في القرآن الكريم في كثيرٍ من المجالات، ومنها الإعجاز النبوي الذي يفيد الأمة في تربية أبنائها، وفي دعوة غيرها للحق والهداية، وفيما يلي لمحات تربوية من هذا الإعجاز في آية واحدة، وسيقتصر الحديث في ذلك فقط على دور المعلم والمتعلم في عملية التعليم والتعلم في هذه الآية.
بسم الله الرحمن الرحيم:
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 260].
المُعلم في هذه الآية هو الله - جل جلاله - والمتعلم هو سيدنا إبراهيم - عليه السلام - وقد بدأ الموقف التعليمي بسؤال من سيدنا إبراهيم - عليه السلام - لربِّه: ﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى ﴾؟
 فهو الذي بادَر بطلب التعلُّم، مما يَنِمُّ عن رغبته في التعلم، ودافعيَّته لطلب العلم، كما يَنِمُّ عن الجرأة في الطلب، وعدم الخوف من أن يسأل ربه.
وقد كان الطلب بأسلوب فيه تأدُّب مع ربِّه بقوله: (رَبِّ)، كما أن فيه عاطفة الحب والود في هذا الخطاب؛ أي: إن هناك جوًّا من الحرية والمحبة والدفء العاطفي، الذي يسود الجو التعليمي، والذي هيَّأه الله لسيدنا إبراهيم - عليه السلام.لقد حدَّد سيدنا إبراهيم - عليه السلام - موضوع التعلُّم الذي يريده بنفسه، ولم يُفرض عليه، وهو (رؤية كيفية إحياء الله الموتى)، ولكن لماذا هذا الموضوع بالذات؟
إن المتأمل في الأحداث الجارية وقتها، يجد أن فرعون هذا الزمان (النمرود)، كان يدعي أنه يُحيي ويُميت، ونشر هذا الادعاء في أرجاء أهل البلاد، وكان هذا الموضوع محل اهتمام الجميع؛ حيث إنه يَمَس العقيدة، وكان سيدنا إبراهيم - عليه السلام - رسول الأمة الذي من مهمته تصحيح هذه العقيدة، فالموضوع يشغل بال الأمة وعلي رأسهم سيدنا إبراهيم - عليه السلام - ومن هنا كانت الحاجة ماسة لسيدنا إبراهيم لمزيد من العون من ربِّه؛ كي يتعلم كيفية محاجة النمرود؛ ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258].
ولذلك جاء السؤال بطلب رؤية كيفية إحياء الله الموتى، ومن هنا يتَّضح لنا وظيفية موضوع التعلم لكل من المتعلم (سيدنا إبراهيم) - عليه السلام - ولمجتمعه.
ويا لها من رَوعة أن يحدِّد المتعلم (سيدنا إبراهيم) - عليه السلام - بنفسه أيضًا كيفية عملية التعلم، وهي الرؤية؛ أي: المشاهدة بأُمِّ عينيه، وليس الكلام النظري، فلم يقتصر الطلب على تحديد موضوع التعلم فقط، بل تعدَّاه إلى تحديد كيفية التعلم، كما لم يقتصر موضوع التعلم على عملية إحياء الموتى، بل تعدَّاه أيضًا إلى كيفية الإحياء.ولكن بماذا أجاب الله عن سؤال سيدنا إبراهيم - عليه السلام - لم يُعطه الله الإجابة فورًا، بل سأله: ﴿ أَوَلَمْ تُؤْمِن ﴾ [البقرة: 260]؟
إن هذا السؤال ليس سؤالاً استنكاريًّا، إن هذا السؤال من المنظور التربوي يُثير في المتعلم التشوُّق أكثر والتحمُّس لتلقِّي الإجابة، كما أنه يعمل على تحديد مستوى التعلم الذي عند المتعلم (مستوى علم اليقين)، وهذا ما أوضحته إجابة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - بقوله: ﴿ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [البقرة: 260].
إن سيدنا إبراهيم - عليه السلام - كان يعلم علم اليقين أن الله هو الذي يُحيي ويميت، وهذا واضح من قوله: بلى، ولكن قوله: ليطمئن قلبي دَلالة على رغبته في الوصول إلى مستوى أعلى من التعلُّم، وهو مستوى عين اليقين، وهذا واضح من سؤاله - عليه السلام - في قوله في بداية الموقف التعليمي: أرِني، وهذا يدل على طموح المتعلم للوصول إلى المستويات الأعلى من التعلم.
لقد تضمنت عملية التعليم والتعلم أسلوبَ الحوار الهادف الذي يكشف لكل من المعلم والمتعلم ما يريده كلٌّ من الآخر، فتنكشف مكنونات المتعلم للمعلم، ويحدِّد المتعلم ما يريده من المعلم، وهنا يسود التفاهم والإقناع في عملية التعلم للمتعلم، دون الإجبار والقمع والتسلُّط من جانب المعلم للمتعلم.
ولكن بعد هذا الحوار، أين الإجابة عن سؤال سيدنا إبراهيم - عليه السلام - من ربه؟لم تكن هناك إجابة بالشكل المباشر، ولكن الله كلَّف سيدنا إبراهيم - عليه السلام - بعدة تكليفات يقوم بعملها بنفسه: فَخُذْ، فَصُرْهُنَّ، ثُمَّ اجْعَلْ، ثُمَّ ادْعُهُنَّ، وَاعْلَمْ.
هنا تبرز العديد من الإبداعات التربوية؛ منها:
أن المعلم قد فعَّل المتعلم وجعَله نَشِطًا بقيامه بهذه الأفعال.
 تنوع هذه الأفعال تجدد من نشاط المتعلم وتُبعد عنه الملل والخمول.
 استخدام أكثر من حاسة أو جارحة: اللمس، والسمع، والبصر، والأيد، والأرجل، واللسان، والعقل، مما يزيد من فعالية عملية التعلم.
 استخدام حرف الفاء في الفعلين: فَخُذْ، وفصُرهنَّ، يفيد سرعة تلبية المعلم للمتعلم في الاستجابة له.
أما استخدام (ثم) قبل الفعلين: اجعل، وادعهنَّ، يفيد تمهُّل المعلم على المتعلم في أداء الأفعال، خاصة وأنه سيصعد على الجبال ثم ينزل من عليه، وفي هذا رأفة ورحمة من المعلم بالمتعلم، رغم وجود الدافعية الذاتية لدى المتعلم، وزيادة تشويق المعلم له من قبلُ.
 واستخدام واو العطف في الفعل الأخير (واعلم)، تفيد إرشاد المعلم للمتعلم بضرورة إمعان التفكير في كل فعلٍ يقوم به المتعلم في الأفعال السابقة؛ مما يشير إلى إعلاء قيمة العقل في عملية التعلم، ودوره في كل خطوات التعلم.
لقد تَمَّ استخدام الطريقة العملية في عملية التدريس، وهي من أكثر الطرق إقناعًا للمتعلم؛ حيث قام المتعلم بإجراء التجربة بنفسه خطوة بخطوة، وشاهد نتائج كل خطوة، ثم توصل إلى النتيجة النهائية، وكل هذا من خلال مشاهدة الحقائق التي لا يستطيع أحد إنكارها، كما أن هذه الطريقة تفيد كثيرًا في تنمية التفكير، وهو ما يتمشَّى مع الهدف المنشود من عملية التعلم في هذا الموقف (تعلم الكيفية).
إن استخدام الحقائق الكونية في هذه التجربة للتوصل إلى الأمور المجردة، تكون أجدى في مخاطبة العقل البشري، فمن اللافت للنظر استخدام الله للطير كوسيلة تعليمية في هذا الموقف؛ مما يتناسب مع موضوع التعلم؛ حيث تظهر الحياة في حركة الطير وهي طائرة، كما لا يستطيع أحد الإمساك بها وهى طائرة إلا الله كما يتَّضح ذلك في قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ﴾ [الملك: 19].
وبذلك يكون استخدام الطير أجدى في إبراز حقيقة الحياة وهي طائرة بعد أن كانت في حالة موت، كما أن الطير محبَّبة للنفس البشرية؛ مما يجعل لها قبولاً لدى المتعلم عند استخدامها.
إن توفُّر مثل هذه المبادئ التربوية في عملية التعلم، هو الذي يسمَّى الآن بالتعلم النَّشِط، والذي عانت الحضارة الغربية عقودًا طويلة للوصول إليه بالبحث العلمي، رغم وجوده بين أيدينا في الكتاب المعجز (القرآن الكريم).
لقد كان دور المعلم في هذا الموقف التعليمي دور: الموجه والمرشد، والمحفز والميسر للمتعلم، حتى بلوغ الهدف من عملية التعلم، وهذا ما يسمى بالتدريس الفعَّال في وقتنا الحاضر، طبقًا لما يسمى بالاتجاهات التربوية الحديثة، وهذا ما أتى به الكتاب المعجز (القرآن الكريم) منذ قرون عديدة، فهل هي اتجاهات حديثة؟ أم نحن الغافلون عنها؟
لم يقتصر هدف الله (المعلم) في الموقف التعليمي على هدف سيدنا إبراهيم - عليه السلام - (المتعلم)، وهو (رؤية إحياء الله للموتى)، بل تعدَّاه إلى ما هو أعظم من ذلك، وهو إخباره (أن الله عزيز حكيم)، وهنا تبرز عظمة المعلم في استخدام هدف المتعلم للوصول إلى أهداف أكبر وأعمَّ.
مدى نجاح هذا الموقف التعليمي في تحقيق أهدافه:
إن نجاح أي عملية تعليم وتعلُّم يُقاس في الغالب بالنتائج المترتبة عليها، وبالنسبة للموقف الذي نحن بصدده الآن، هناك موقفان بارزان يُظهران مدى هذا النجاح:
الموقف الأول: محاجة سيدنا إبراهيم - عليه السلام -للنمرود:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258].
في هذا الموقف ظهرت براعة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - في دَحْض حُجة النمرود في أنه يحيي ويميت، فلقد تعلَّم من ربه كيف يُمعن التفكير ويستخدم عقله، ويستخدم الأدلة (الحقائق) التي لا يمكن لأحد إنكارها.
فقد ذكر سيد قطب في الظلال أنه عندما قال النمرود:
أنا أحيي وأُميت، عند ذلك لم يُرِد إبراهيم - عليه السلام - أن يَسترسل في جدلٍ حول معنى الإحياء، وعدَل عن هذه السنة الكونية الخفيَّة إلى سُنة أخرى ظاهرة مرئية، وعدَل عن طريقة العرض المجرَّد للسنة الكونية والصفة الإلهية في قوله: ﴿ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [البقرة: 258]، إلى قوله: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ﴾ [البقرة: 258]، وهي حقيقة كونية مُكرورة؛ تطالع الأنظار والمدارك كلَّ يوم، ولا تتخلف مرة ولا تتأخر، وهي شاهد يخاطب الفطرة، ومن ثم كان هذا التحدي الذي يخاطب الفطرة كما يتحدث بلسان الواقع الذي لا يقبل الجدَل.
وهنا يقول طنطاوي في الوسيط: فماذا كانت نتيجة هذه الحجة الدامغة التي قذَفها إبراهيم - عليه السلام - في وجه خَصمه؟ كانت نتيجتها - كما حكى القرآن -: ﴿ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾؛ أي: غُلب وقُهِر، وتحيَّر وانقطع عن حجاجه، واضطرب ولم يستطع أن يتكلم؛ لأنه فوجئ بما لا يَملِك دفْعه.
الموقف الثاني: حوار سيدنا إبراهيم - عليه السلام -مع أبيه وقومه؛ لإبطال عبادة الأوثان، وحاله أثناء وضْعه في النار.
لقد تجلَّت براعة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - في هذا الموقف في حواره لقومه، وقوة استخدامه للحجج، بالاستعانة بالحقائق المادية المحسوسة للإقناع، ودحض الحُجج الباطلة التي استخدموها، وتعبر الآيات هنا عن ذلك بوضوح: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 51]، ﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 52]، ﴿ قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 53]، ﴿ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنبياء: 54]، ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 55]، ﴿ قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 56]، ﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾ [الأنبياء: 57]، ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأنبياء: 58]، ﴿ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 59]، ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 60]، ﴿ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 61]، ﴿ قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 62]، ﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 63]، ﴿ فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنبياء: 64]، ﴿ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 65]، ﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ﴾ [الأنبياء: 66]، ﴿ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 67]، ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 68]، ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69]، ﴿ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ﴾ [الأنبياء: 70].
وتوضح لنا الآيات أن الله - عز وجل - قد علَّم سيدنا إبراهيم - من قبل ذلك - النظر والاستدلال على الحق: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 51].
وكما اتَّضح لنا من قبلُ أن إبراهيم - عليه السلام - قد وصل في علمه إلى مستوى عين اليقين في أن الله هو الذي يحيي ويميت، عندما أراه ربُّه كيفية إحياء الموتى، ومن هنا كان ثباته وشجاعته ورباطة جأْشه عندما أُلقي في النار، فهو الذي وضع نفسه في موضع الإحياء والإماتة الآن، وهنا في هذا الموقف الجديد وصل سيدنا إبراهيم إلى مستوى حق اليقين.
وقد ذكر الطنطاوي في الوسيط أن المفسرين قالوا: إن إبراهيم - عليه السلام - حين جيء به إلى النار، قالت الملائكة: يا ربَّنا، ما في الأرض أحد يعبدك سوى إبراهيم، وأنه الآن يُحرق، فأذَنْ لنا في نُصرته! فقال - سبحانه -: إن استغاث بأحد منكم، فليَنصره، وإن لم يَدع غيري، فأنا أعلم به، وأنا وليُّه، فخلُّوا بيني وبينه، فهو خليلي، ليس لي خليل غيره.
فأتى جبريل - عليه السلام - إلى إبراهيم، فقال له: ألَك حاجة؟ فقال إبراهيم: أمَّا إليك، فلا، وأما إلى الله فنعم! فقال له جبريل: فلِمَ لا تسأله؟ فقال إبراهيم - عليه السلام -: حَسْبي من سؤالي علمه بحالي.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق