السبت، 8 يونيو 2013

استشارات اجتماعية

السؤال
أنا شخصٌ جميل المظهر، لكن أهلي بُخلاء عليَّ، أبي يفعل كل شيء للناس، ويخدم كل الناس الغرباء، بل وصل به الحال أن بنى بيتًا لأحد الأقارب، ولا يقدِّم لي شيئًا أو مُساعدةً! بل هدَّدني أكثر مِن مرة بالطرد خارج البيت!أنا معي شهادة جامعيَّةٌ، لكني لا أحب أن أعمل لدى أحدٍ، وهو لا يساعدني في العمل، أو في الزواج!
 كيف أملك عملًا بشهادتي، والوضع في بلدي صعبٌ؟ ولا يمكن أن يقبلوني بشهادتي فقط، بل لا بد مِن شهادات أخرى مع وساطة!
 أفكِّر في السرقة كحلٍّ لكل مشاكلي، أرجو نصحي في هذا: هل أسرق أو لا؟ مع علمي بأنَّ السرقة ربما تؤدِّي إلى سجني؟

الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخي الشابّ، سأطرح عليك بعض التساؤلات؛ لتستبصرَ أنت بمشكلتك، فأنت شابٌّ ومتعلمٌ، ولديك حِسٌّ وذكاء مما دعاك للاستشارة، أسأل الله أن ينفعَ ويبارك فيك.
 لمَ يتصرَّف والدُك بهذه الطريقة؟
 لمَ والدُك بَنَى بيتًا لفلان؟
 سلْ نفسك:
ما الأشياء التي لو عملتُها رَضِي عني والدي وساعدني؟
 ما القيمة الإضافية التي عليَّ امتلاكها كي أتميزَ ويُقْبِل على توظيفي أصحابُ المشاريع؟
 لو كنتُ يتيمَ الأب، ما الذي عليَّ فِعْله لأعمل وأبني بيتًا وأتزوَّج؟
 تساؤلاتٌ عديدةٌ اسألها لنفسك، ومحاكماتٌ عقلية فكِّر فيها مَلِيًّا؛ لتجدَ الحلول المناسبة لمشكلتك.
 يفَكِّر معظمُ البشر في حدود "ما لا يمكنني"، وأنا أدعوك للتفكير فيما "يُمكنك" تغييرُه أو تعديله أو الإضافة عليه لتحسنه، ومِن ثَمَّ تحسين حياتك ككل.
 أُقَدِّر مشاعر الغضب والإحباط التي تعتريك، لكنك شابٌّ في مُقتبل الحياة، وتمتلك الكثيرَ مِن النِّعَم التي ربما لتعوُّدك عليها لم تعدْ تشعر بوجودها، لكني أدعوك لتكون أنت التغيير الذي تريد، والله - عز وجل - لا يظلم أحدًا أبدًا؛ أعطانا العدة والمَدَد، وعلينا التزوُّد منها، والتوكُّل عليه - سبحانه - مع العمل والجد للوصول للغاية.
ومما يُعينك - بعد توفيق الله - على تطوير علاقتك بالوالد ما يلي:
1 - اللجوء إلى مَن يُجيب المضطر إذا دعاه.

2 - الاقتراب مِن الوالد، وكسْر الحاجز الذي بينك وبينه.

3 - المشاركة في تقديم الطعام والشراب له.

4 - سؤاله عن أحواله وصحته وعن الأشياء التي ترضيه.

5 - إشعار الوالد بمُعاناتك حتى تصلَ مشاعرُك للوالد.

6 - شُكره على كلِّ خطوة إلى الأمام.

7 - إخباره بما يتحقق لك بتوفيق الله مِن نجاح وفلاحٍ.

8 - زيادة البر والاحترام.

9 - الإحسان إلى إخوانك ووالدتك وأهل بيتك.

10 - الاجتهاد في طاعة الله؛ فإنَّ ثمرة الطاعة المحبة في قلوب الخَلْق؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96]، مع ضرورة عدم إعطاء الأمر أكبر مِن حجمه، والتماس العُذر لتصرفات الوالد، وتأكَّد أن الأب لا يحب أي إنسان على وجه الأرض أكثر مِن أبنائه، ولو بَدَا غير ذلك!

عليك أن تعلمَ أنَّ الله ذو حكمة بالغة، فقد يُفقر بعض الناس لعلمِه - سبحانه - أنه لو أغناهم لطَغَوْا وأفسدوا، إضافة إلى أنك تصف نفسك بالجميل، فاللهُ أعطاك نعمةً، وسلب منك أخرى؛ لحكمةٍ يعلمها، وعليك حمد الله وشكره على نِعَمِه؛ ليُديمها ويزيدها.
ولكن ذلك كله لا يُبَرِّر لك أن تسرقَ، مهما كان المبلغُ ضئيلًا؛ فذلك محرَّمٌ شرعًا، ثم إنه يُسلِّط عليك السُّمعة السيئةَ، فلا تقدر على الزواج، ولا مخالطة الناس، فلو افترضنا أنه كلما احتاج شخصٌ مالًا سرَق، إذن لصارت الدنيا في مشاكل لا تنتهي.
 والسرقةُ محرَّمة بالكتاب والسنة والإجماع، وقد ذَمَّ الله هذا الفعل الشنيعَ، وجعل له عقوبةً تُناسبه؛ فجعل حد السارق أن تُقْطَعَ يدُه؛ قال تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا))؛ رواه البخاري، (الحدود/6291)، ولعن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - السارقَ؛ لأنه عنصرٌ فاسدٌ في المجتمع، إذا تُرِك سرى فسادُه، وتعدَّى إلى غيره في جسم الأمة؛ فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده))؛ البخاري، (الحدود/6285)، ومما يدلُّ على أن هذا الحكم مُؤَكَّد: أنَّ امرأةً مخزوميَّةً شريفةً سرَقَتْ في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فأراد أسامة بن زيد أن يشفعَ فيها؛ فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((أتشفع في حدٍّ مِن حدود الله، إنما أهلك الذين مِن قبلكم: كانوا إذا سرق فيهم الغنيُّ تركوه، وإذا سرق فيهم الوضيع أقاموا عليه الحدَّ، وايم الله، لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقتْ لقطعتُ يدها))؛ البخاري (أحاديث الأنبياء/3216).
 وما دمت قادرًا على العمل، ولديك مؤهلات، فلِمَ الكسل؟ أأنت أكرم مِن خير البشر؟ أأنت أكرم من الأنبياء؟ كل الأنبياء عملوا وكسبوا من أيديهم، فمنهم مَن عمل راعيًا، ومنهم مَن عمل خيَّاطًا، ومنهم مَن كان حدَّادًا... وهَلُمَّ جرًّا، فلا تحتقر العمل مهما كان بسيطًا وعاديًّا.
 فكِسرةٌ من عمل حلال أفضل وأكثر بركةً مِن كنوز عظيمةٍ، لكنها سُحت لحُرمةِ مصدرها.
 وبإمكانك أيضًا أن تستدين مبلغًا تقدر على سداده مِن والدك مثلًا لتكمل دراستك العليا، أو تُطَوِّر من خبراتك ومعارفك، فكما قلت أنت: لا يقبلون العمل بالشهادة فقط، فكلما زادتْ معرفتك زاد عددُ الراغبين في توظيفك.
 وتذكَّر أنَّ والدَك ليس مَسؤُولًا عنك حتى مماتك، فها أنت قد صِرْتَ رجلًا، فكُنْ على قدر المقام والمسؤولية.
 وأسأل الله أن يُطَهِّرَ قلبك، ويُيَسِّر أمرك، وأن يبشِّرك بما يسعدك ويَسُرُّك



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق